فصل: الخبر عن ملوك بني دوشي حان من التتر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


 ملوك بني جفطاي بن جنكزخان بتركستان وكاشغر وما وراء النهر

هذا الإقليم هو مملكة الترك الأولى قبل الإسلام وأسلم ملوكهم على تركستان وكاشغر فأقاموا بها‏.‏ وملك بنو سامان نواحي بخارى وسمرقند واستبدوا ومنها كان ظهور السلجوقية والتتر من بعدهم‏.‏ ولما استولى جنكزخان على البلاد أوصى بهذه المملكة لابنه جفطاي ولم يتم ذلك في حياته‏.‏ ومات جفطاي دونه فلما ولي منكوفان بن طولي على التخت ولى أولاد جفطاي عمه على ما وراء النهر إمضاء لوصيه جنكزخان لأبيهم التي مات دونها وولى منكوفان‏.‏ فلما هلك ولى أخوه هلاكو ابنه مبارك شاه‏.‏ ثم غلب عليهم قيدو بن قاشي بن كفود بن أوكداي بن جنكز خان وانتزع ما وراء النهر من أيديهم وكان جده كفوك صاحب التخت‏.‏ وبعده ولى منكوفان‏.‏ فلما ولي قيدو نازع صاحب التخت يومئذ وهو قبلاي وكانت بينهما حروب وأعان قبلاي في خلالها بني جفطاي على استرجاع ملكهم‏.‏ وولي منهم براق بن سنتف بن منكوفان بن جفطاي وأمده بالعساكر والأموال فغلب قيدو بن قاشي بن كفود بن أوكداي بن ثم هلك فولي من بعده دوا ثم من بعد دوا بنون له أربعة واحداً بعد واحد وهم كجك ثم اسعا ثم كبك ثم انجكداي‏.‏ ثم ولي بعد الأربعة دواتمر ثم ترماشين ثم توزون بن أوما كان ابن منكوفان بن جفطاي وتخلل هؤلاء من توثب على الملك ولم ينتظم له مثل سيساور بن أركتم بن بغاتمر بن براق ولم يزل ملكهم بعد ترماشين مضطرباً إلى أن ملك منهم جنقصو بن دواتمر بن حلو بن براق بن سنتف كانوا كلهم على دين المجوسية وخصوصاً دين جنكز خان وعبادته الشمس‏.‏ وكان فيما يقال على دين النجشية فكان بنو جفطاي يعضون عليها بالنواجذ ويتبعون سياسته مثل أصحاب التخت‏.‏ فلما صار الملك إلى ترماشين منهم أسلم رحمه الله سنة خمس وعشرين وسبعمائة وجاهد وأكرم التجار المترددين‏.‏ وكانت تجار مصر ممنوعين من بلاده فلما بلغهم ذلك قصدوها فحمدوها‏.‏ ولما انقرضت دول بني جنكزخان وتلاشت في جميع النواحي ظهر في أعقاب دولة بني جفطاي هؤلاء بسمرقند وما وراء النهر ملك اسمه تمر ولا أدري كيف كان يتصل نسبه فيهم ويقال أنه من غير نسبهم وإنما هو متغلب على صبي من أعقاب ملوكهم اسمه طغتمش أو محمود درج اسمه بعد مهلك أبيه واستبد عليه وإنه من أمرائهم‏.‏ وأخبرني من لقيته من أهل الصين أن أباه أيضاً كان في مثل مكانه من الإمارة والاستبداد وما أدري أهو طينة في نسب جفطاي أو من أحلافهم واتباعهم‏.‏ وأخبرني الفقيه برهان الدين الخوارزمي وهو من علماء خوارزم وأعيانها قال كان لعصره وأول ظهوره ببخارى رجل يعرف بحسن من أمراء المغل وآخر بخوارزم عن ملوك صراي أهل التخت يعرف بالحاج حسن الصوفي تهيأ وزحف إلى بخارى فملكها من يد حسن ثم إلى خوارزم وطالت حروبه مع الحاج حسن الصوفي وحاصرها مراراً‏.‏ وهلك حسن خلال ذلك وولي أخوه يوسف فملكها تمر من يده وخربها في حصار طويل‏.‏ ثم كلف بعمارتها بناء ما خرب منها وانتظم له الملك بما وراء النهر ونزل قجارى‏.‏ ثم زحف إلى خراسان فملك هراة من يد صاحبها وأظنه من بقايا ملوك الغورية‏.‏ ثم زحف إلى مازندان وطال تمرسه وحروبه مع صاحبها الشيخ ولي إلى أن ملكها عليه سنة أربع وثمانين‏.‏ ولحق الشيخ ولي بتوريز إلى أن ملكها تمر سنة ثمان وثمانين فهلك في حروبه معها‏.‏ ثم زحف إلى أصفهان فآتوه طاعة ممرضة وخالفه في قومه كبير من أهل نسبه يعرف بمعمر الدين وأمد طغطمش صاحب التخت بصراي فكر راجعاً وشغل بحربه إلى أن غلبه ومحا أثره‏.‏ وغلب طغطمش على ما بيده من البلاد‏.‏ ثم زحف إلى بغداد سنة خمس وتسعين فأجفل عنها ملكها أحمد بن أويس بن الشيخ حسن المتغلب عليه بعد بني هلاكو فلحق أحمد ببر الشام سنة ست وتسعين واستولى تمر على بغداد والجزيرة وديار بكر إلى الفوات‏.‏ واستعد ملك مصر للقائه ونزل الفرات فأحجم عنه وتأخر عنه إلى قلاع الأكراد وأطراف بلاد الروم وأناخ على قراباغ ما بين أذربيجان والأبواب ورجع خلال ذلك طغطمش صاحب التخت إلى صراي وملكه فسار إليه تمر أول سنة سبع وتسعين وغلبه على ملكه وأخرجه عن سائر ممالكه ثم وصل الخبر آخر السنة بظفره بطغطمش وقتله إياه واستيلائه على جميع أعماله والحال على ذلك لهذا العهد والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏ وفي خبر العجم أن ظهوره سنة عذب يعنون سنة اثنين وسبعين وسبعمائة بحساب الجمل في حروف هذه اللفظة‏.‏ والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق بمنه وكرمه‏.‏

 الخبر عن ملوك بني دوشي حان من التتر

ملوك خوارزم ودست القفجاق ومبادئ أمورهم وتصاريف أحوالهم قد تقدم لنا أن جنكزخان عين هذه البلاد لابنه دوشي خان وملكه عليها وهي مملكة متسعة في الشمال آخذة من خوارزم إلى ناركند وصفد وصراي إلى مدينة ماجري وأران وسرادق وبلغار وباشقرد وجدلمان وفي حدود هذه المملكة مدينة باكو من مدن شروان وعندها باب الحديد ويسمونه دمرقفو وتمر حدود هذه المملكة في الجنوب إلى حدود القسطنطينية وهي قليلة المدن كثيرة العمارة والله تعالى أعلم‏.‏ وأول من وليها من التتر دوشي خان فلم يزل ملكاً عليها إلى أن هلك كما مر‏.‏ ناظو خان بن دوشي خان ولما هلك دوشي خان ولي مكانه ابنه ناظو خان ويقال صامر خان ومعناه الملك المغير فلم يزل ملكاً عليها إلى أن هلك سنة خمسين وستمائة‏.‏ طرطو بن دوشي خان ولما هلك ناظو ولي أخوه طرطو فأقام ملكاً سنتين وهلك سنة اثنتين وخمسين‏.‏ ولما هلك ولي مكانه أخوه بركة‏.‏ هكذا نقل ابن فضل الله عن ابن الحكيم‏.‏ وقال المؤيد صاحب حماة في تاريخه أنه لما هلك طرطو هلك من غير عقب وكان لأخيه ناظوخان ولدان وهما تدان وبركة وكان مرشحاً للملك فعدل عنه أهل الدولة وملكوا أخاه بركة‏.‏ وسارت أم تدان إلى هلاكو عندما ملك العراق تستحثه لملك قومها فردوها من الطريق وقتلوها واستمر بركة في سلطانه انتهى‏.‏ فنسب المؤيد بركة إلى ناظوخان بن دوشي خان وابن الحكيم على ما نقل ابن فضل الله جعله ابن دوشي خان نفسه‏.‏ وذكر المؤيد قصة إسلامه على يد شمس الدين الباخوري من أصحاب نجم الدين وأن الباخوري كان مقيماً ببخارى وبعث إلى بركة يدعوه إلى الإسلام فأسلم وبعث إليه كتابه بإطلاق يده في سائر أعماله بما شاء فرده عليه وأعمل بركة الرحلة إلى لقائه فلم يأذن له في الدخول حتى تطارح عليه أصحابه وسهلوا الإذن لبركة فدخل وجدد الإسلام‏.‏ وعاهده الشيخ على إظهاره الإسلام وأن يحمل عليه سائر قومه فحملهم واتخذ في جميع بلاده المساجد والمدارس وقرب العلماء والفقهاء ووصلهم‏.‏ وسياق القصة على ما ذكره المؤيد يدل على أن إسلامه كان أيام ملكه‏.‏ وعلى ما ذكر بن الحكيم أن إسلامه كان أيام أخيه ناظو ولم يذكر ابن الحكيم طرطو وإنما ذكر بعد ناظو أخاه بركه‏.‏ ولم نقف على تاريخ لدولتهم حتى يرجع إليه وهذا ما أدى إليه الاجتهاد‏.‏ وما بعدها مأخوذ من تاريخ المؤيد صاحب حماة من بني المظفر ابن شاهنشاه بن أيوب قال ثم بعث بركة أيام سلطانه أخاه ناظو إلى ناحية الغرب للجهاد وقاتل ملك اللمان من الإفرنج فانهزم ورجع ومات أسفاً‏.‏ ثم حدثت الفتنة بين بركة وبين قبلاي صاحب التخت وانتزع بركة الخاقانية من أعمال قبلاي وولى عليها سرخاد ابن أخيه ناظو وكان على دين النصرانية‏.‏ وداخله هلاكو في الانتقاض على عمه بركة إلى أخيه قبلاي صاحب التخت ويقطعه الخاقانية وما يشاء معها‏.‏ وشعر بركة بشأنه وأن سرخاد يحاول قتله بالسم فقتله‏.‏ وولى الخاقانية أخاه مكانه وأقام هلاكو طالباً بثأر سرخاد ووقعت الحرب بينه وبين بركة على نهر آمد سنة ستين‏.‏ ثم هلك هلاكو سنة ثلاث وستين‏.‏ وولى ابنه أبغا فسار إلى حربه وسرح بركة للقائه سنتاي بن بانيضان بن جفطاي ونوغيثة بن تتر بن مغل بن دوشي خان‏.‏ فلما التقى الجمعان أحجم سنتاي ورجع منهزماً وانهزم أبغا أمام نوغيثة وأثخن في عساكره‏.‏ وعظمت منزلة نوغيثة عند بركة وسخط بركة سنتاي وساءت منزلته عنده إلى أن هلك بركة سنة خمس وستين‏.‏ والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

 منكوتمر ين طغان بن ناظو خان

ولما هلك بركة ملك الدست بالشمال ملك مكانه منكوتمر بن طغان بن ناظو خان ين دوشي خان وطالت أيامه وزحف سنة سبعين إلى القسطنطينية لجدة وجدها على الأشكر ملكها فتلقاه بالخضوع والرغبة ورجع عنه‏.‏ ثم زحف سنة ثمانين إلى الشام في مظاهرة أبغا بن هلاكو ونزل بين قيسارية وابلستين من بلاد الروم‏.‏ ثم أجاز الدربند ومر بابغا وهو منازل الرحبة وتقدم مع أخيه منكوتمر بن هلاكو إلى حماة فنازلوها وزحف إليهم المنصور قلاوون ملك مصر والشام من دمشق ولقيهم بظاهر حمص‏.‏ وكانت الدائرة على ملوك التتر‏.‏ وهلك خلق من عساكرهم وأسر آخرون وأجفل أبغا من منازلة الرحبة ورجعوا إلى بلادهم منهزمين‏.‏ وهلك على أثر ذلك منكوتمر ملك الشمال ومنكوتمر بن هلاكو سنة إحدى وثمانين‏.‏ ولما هلك منكوتمر ملك مكانه ابنه تدان وجلس على كرسي ملكهم بصراي فأقام خمس سنين‏.‏ ثم ترهب وخرج عن الملك سنة ست وثمانين وانقطع إلى صحبة المشايخ الفقراء‏.‏ ولما ترهب تدان بن منكوتمر وخرج عن الملك ملك مكانه أخو قلابغا وأجمع على غزو بلاد الكرك‏.‏ واستنفر نوغيثة بن تتر بن مغل بن دوشي خان وكان حاكماً على طائفة من بلاد الشمال وله استبداد على ملوك بني دوشي خان فنقر معه في عساكره وكانت عظيمة‏.‏ ودخلوا جميعاً بلاد الكرك وأغاروا عليها وعاثوا في نواحيها وفصلوا منها‏.‏ وقد تمكن فصل الشتاء وملك السلطان مسافة اعتسف فيها البيداء وهلك أكثر عساكره من البرد والجوع وأكلوا دوابهم‏.‏ وسار نوغيثه من أقرب المسالك فنجا إلى بلاده سالماً من تلك الشدة فاتهمه السلطان قلابغا بالادهان في أمره وكان ينقم عليه استبداده حتى إنه قتل امرأة كنجك وكانت متحكمة في أيام أبيه وأخيه وشكت إلى نوغيثة فأمر بقتلها خنقاً وقتل أميراً كان في خدمتها اسمه بيطرا فتنكر له قلابغا وأجمع الفتك به وأرسل يستدعيه لما طوى له عليه‏.‏ ونمي الخبر بذلك إلى نوغيثة فبالغ في إظهار النصيحة والإشفاق على السلطان وخاطب أمه بأن عنده نصائح يود لو ألقاها إلى السلطان في خلوة فثنت ابنها عن رأيه فيه وأشارت عليه باستدعائه والاطلاع على ما عنده‏.‏ وجاء فوغيثة وقد بعث عن جماعة من أخوة السلطان قلابغا كانوا يميلون إليه ومنهم طغطاي وبولك وصراي وتدان بنو منكوتمر بن طغان فجاؤوا معه وقد توقفوا لما هجم السلطان قريغا وركب للقاء نوغيثة في لمة من عسكره وجاء نوغيثة وقد أكمن له طائفة من العسكر فلما التقيا تحادثا ملياً وخرج الكمناء وأحاطوا بالسلطان وقتلوه سنة تسعين وستمائة وأقبل طغطاي بن منكوتمر‏.‏ ولما قتل قلابغا ولوا مكانه طغطاي لوقته ورجع نوغيتة إلى بلاده‏.‏ وبعث إلى طغطاي في قتل الأمراء الذين داخلوا قلابغا في قتله فقتلهم طغطاي أجمعين‏.‏ ثم تنكر طغطاي لنوغيثه لما كان عليه من الاستبداد وأنف طغطاي منه وأظلم الجو بينهما‏.‏ واجتمع أعيان الدولة إلى نوغيثة فكان يوغر صدرهم على طغطاي وأصهر إلى طاز بن منجك منهم بابنته فسار إليه ولقيه نوغيثة فهزمه واعترضه نهر مل فغرق كثير من عسكره ورجع نوغيثة عن اتباعه‏.‏ واستولى على بلاد الشمال وأقطع سبطه قراجا بن طشتمر سنة ثمان وسبعين مدينة القرم‏.‏ وسار إليها لقبض أموالها فأضافوه وبيتوه وقتلوه من ليلته‏.‏ وبعث نوغيثة العساكر إلى القرم فاستباحوها وما يجاورها من القرى والضياع وخرب سائرها‏.‏ وكان نوغيثة كثير الإيثار لأصحابه فلما استبد بأمره آثر ولده على الأمراء الذين معه وأحسوا عليهم‏.‏ وكان رديفه من ملك المغل أياجي بن قرمش وأخوه قراجا‏.‏ فلما آثر ولده عليهما نزعا إلى طغطاي في قومهما وسار ولد نوغيثة في اتباعهما فرجع بعضهم واستمر الباقون وقتل ولد نوغيثة من رجع معه من أصحاب أياجي وقراجا وولدهم فامتعض لذلك أمراء المغل الذين معه ولحقوا بطغطاي واستحثوه لحرب نوغيثة فجمع‏.‏ وسار إليه سنة تسع وتسعين بكو كان لك فانهزمت عساكر نوغيثة وولده‏.‏ وقتل في المعركة وحمل رأسه إلى طغطاي فقتل قاتله وقال السوقة لا تقتل الملوك‏.‏ واستبيح معسكر نوغيثة وبيع سباياهم وأسراهم في الأقطار وكان بمصر منهم جماعة استرقوا بها وانتظموا في ديوان جندها‏.‏ ولما هلك نوغيثة خلفه في أعماله ابنه جكك وانتقض عليه أخوه فقتله فاستوحش لذلك أصحابه وأجمعوا الفتك به‏.‏ وتولى لك نائبه طغرلجاي وصهره على أخته طاز بن منجك‏.‏ ونمي الخبر بذلك إليه وهو في بلاد اللاز والروس غازياً فهرب ولحق ببلاده‏.‏ ثم لحق به عسكره فعاد إلى حربهم وغلبهم على البلاد‏.‏ ثم أمدهما طغطاي على جكا بن نوغيثة فانهزم ولحق ببلاد أولاق وحاول الامتناع ببعض القلاع من بلاد أولاق وفيها صهره فقبض عليه صاحب القلعة واستخدم بها لطغطاي فأمره بقتله سنة إحدى وسبعمائة‏.‏ ونجا أخوه طراي وابنه قراكسك شريدين‏.‏ وخلا الجو لطغطاي من المنازعين والمخالفين واستقرت في الدولة قدمه وقسم أعماله بين أخيه صراي بغا وبين ابنيه‏.‏ وأنزل منكلي بغا من ابنيه في عمل نهرطنا مما يلي باب الحديد‏.‏ ثم رجع صراي بن نوغيثة من مقره واستذم بصراي بغا أخي طغطاي فأذمه وأقام عنده‏.‏ فلما أنس به كشف له القناع عما في صدره واستهواه للانتقاض على أخيه طغطاي وكان أخوهما أزبك أكبر منه وكان مقيماً عند طغطاي فركب إليه صراي بغا ليفاوضه في الشأن فاستعظمه وأطلع عليه أخاهما طغطاي فأمره لوقته بإحضار أخيه صراي بغا وصراي بن نوغيثة وقتلهما واستضاف عمل أخيه صراي بغا لابنه إيل بهادر‏.‏ ثم بعث في طلب قراكسك بن نوغيثة فأبعد في ناحية الشمال واستذم ببعض الملوك هنالك‏.‏ ثم هلك سنة تسع وسبعمائة أخوه بذلك وابنه إيل بهادر وهلك طغطاي بعدهما سنة اثنتي عشرة والله تعالى أعلم‏.‏   أزبك بن طغرلجاي بن منكوتمر

ولما هلك طغطاي بايع نائبه قطلتمر لأزبك ابن أخيه طغرلجاي بإشارة الخاتون تنوفالون زوج أبيه طغرلجاي وعاهده على الإسلام فأسلم واتخذ مسجداً للصلاة‏.‏ وأنكر عليه بعض أمرائه فقتله وتزوج الخاتون بثالون وكانت المواصلة بين طغطاي وبين ملوك مصر‏.‏ ومات طغطاي ورسله عند الملك الناصر محمد بن قلاوون فرجعوا إلى أزبك مكرمين وجدد أزبك الولاية معه وحببه قطلتمر في بعض كرائمهم يرغبه وعين له بنت بذلك أخي طغطاي وتكررت الرسالة في ذلك إلى أن تم الأمر وبعثوا بكريمتهم المخطوبة إلى مصر فعقد عليها الناصر وبنى بها كما مر في أخباره‏.‏ ثم حدثت الفتنة بين أزبك وبين أبي سعيد ملك التتر بالعراق من بني هلاكو وبعث أزبك عساكره إلى أذر بيجان‏.‏ وكان بنو دوشي يدعون أن توريز ومراغة لهم وأن القان لما بعث هلاكو لغزو بلاد الإسماعيلية وفتح بغداد استكثر من العساكر وسار معه عسكر أهل الشمال هؤلاء وقررت لهم العلوفة بتوريز‏.‏ ولما مات هلاكو طلب بركة من ابنه أبغا أن يأذن له في بناء جامع تبريز ودار لنسج الثياب والطرز فأذن له فبناهما وقام بذلك‏.‏ ثم اصطلحوا وأعيدت فادعى بنو دوشي خان أن توريز ومراغة من أعمالهم ولم يزالوا مطالبين بهذه الدعوة‏.‏ فلما وقعت هذه الفتنة بين أزبك وأبي سعيد افتتح أمره بغزو موقان فبعث العساكر إليها سنة تسع عشرة فاكتسحوا نواحيها ورجعوا‏.‏ وجمع جوبان على دولته وتحكمه في بني جنكز خان وإنه يأنف أن يكون براق بن سنتف بن منكوفان بن جفطاي ملكاً على خوارزم فأغزاه أزبك فملك خراسان وأمده بالعساكر مع نائبه قطلتمر وسار سيول لذلك‏.‏ وبعث أبو سعيد نائبه جوبان لمدافعتهما فلم يطق وغلب سيول على كثير من خراسان وصالحه جوبان عليها‏.‏ وهلك سيول سنة عشرين‏.‏ ثم عزل أزبك نائبه قطلتمر سنة إحدى وعشرين وولى مكانه عيسى كوكز ثم رده سنة أربع وعشرين إلى نيابته‏.‏ ولم تزل الحرب متصلة بين أزبك وأبي سعيد إلى أن هلك أبو سعيد سنة ست وثلاثين ثم هلك القان في هذه السنة‏.‏ ولما هلك أزبك بن طغرلجاي ولي مكانه ابنه جاني بك وكان أبو سعيد قد هلك قبله كما قلناه ولم يعقب‏.‏ وولي مكانه على العراق الشيخ حسن من أسباط أبغا بن هلاكو‏.‏ وافترق الملك في عمالاتهم طوائف وردد جاني بك العساكر إلى خراسان إلى أن ملكها سنة ثمان وخمسين‏.‏ ثم زحف إلى أذربيجان وتوريز وكان قد غلب عليها الشيخ الصغير ابن دمرداش بن جوبان وأخوه الأشرف من بعده كما يذكر في أخبارهم إن شاء الله تعالى‏.‏ فزحف جاني بك في العساكر إلى أذربيجان بتلك المطالبة التي كان سلفه يدعون بها فقتل الأشرف واستولى على توريز وأذربيجان وانكفأ راجعاً إلى خوزستان بعد أن ولي على توريز ابنه بردبيك واعتل جاني بك في طريقه ومات‏.‏ بردبيك بن جاني ولما اعتل جاني في ذهابه من توريز إلى خراسان طير أهل الدولة الخبر إلى ابنه بردبيك وقد استخلفه في توريز فولى عليها أميراً من قبله وأغذ السير إلى قومه ووصل إلى صراي وقد هلك أبوه جاني فولوه مكانه واستقل بالدولة‏.‏ وهلك لثلاث سنين من مهلكه‏.‏

 ماماي المتغلب على مملكة هراي

ولما هلك بردبيك خلف ابنه طغطمش غلاماً صغيراً وكانت أخته بنت بردبيك تحت كبير من أمراء المغل اسمه ماماي وكان متحكماً في دولته‏.‏ وكانت مدينة المقرم من ولايته وكان يومئذ غائباً بها وكان جماعة من أمراء المغل متفرقين في ولايات الأعمال بنواحي صراي ففرقوا الكلمة واستبدوا بأعمالهم فتغلب حاجي شركس على ناحية منبج طرخان وتغلب أهل خان على عمله وأيبك خان كذلك وكانوا كلهم يسمون أمراء المسيرة‏.‏ فلما هلك بردبيك وانقرضت الدولة واستبد هؤلاء في النواحي خرج ماماي إلى القرم ونصب صبياً من ولد أزبك القان اسمه عبد الله وزحف به إلى صراي فهرب منها طغطمش ولحق بمملكة أرض خان في ناحية جبال خوارزم إلى مملكة بني جفطاي بن جنكزخان في سمرقند وما وراء النهر والمتغلب عليها يومئذ السلطان تمر من أمراء المغل وقد نصب صبياً منهم اسمه محمود وطغطمش وتزوج أمه واستبد عليه فأقام طغطمش هناك‏.‏ ثم تنافس الأمراء المتغلبون على أعمال صراي وزحف حاجي شركس صاحب عمل منج طرخان إلى ماماي فغلبه على صراي فملكها من يده‏.‏ وسار ماماي إلى القرم فاستبد بها‏.‏ ولما زحف حاجي شركس من عمله بعث أرض خان عساكره من نواحي خوارزم فحاصروا منج طرخان وبعث حاجي العساكر إليهم مع بعض أمرائه فأعمل الحيلة حتى هزمهم عن منج طرخان وفتك بهم وبالأمير الذي يقودهم‏.‏ وشغل حاجي شركس بتلك الفتنة فزحف إليه أيبك خان وملك صراي هن يده واستبد بها أياماً‏.‏ ثم هلك وولى بعده بصراي ابنه قاريخان‏.‏ ثم زحف إليه أرض خان من جبال خوارزم فغلبه عن صراي وهرب قاريخان بن أيبك خان وعادوا إلى عملهم الأول واستقر أرض خان بصراي وماماي بالقرم ما بينه وبين صراي في مملكته وكان هذا في حدود أعوام سنة ست وسبعين وطغطمش في خلال ذلك مقيم عند السلطان تمر فيما وراء النهر‏.‏ ثم طمحت نفس طغطمش إلى ملك آبائه بصراي فجهز معه السلطان تمر العساكر وسار بها فلما بلغ جبال خوارزم اعترضه هناك عساكر أرض خان فقاتلوه وانهزم ورجع إلى تمر‏.‏ ثم هلك أرض خان قريباً من منتصف تلك السنة فخرج السلطان تمر بالعساكر مع طغطمش مدداً له إلى حدود عمله ورجع واستمر طغطمش فاستولى على أعمال أرض خان بجبال خوارزم‏.‏ ثم سار إلى صراي وبها عمال أرض خان فملكها من أيديهم واسترجع ما تغلب عليه ماماي من ضواحيها وملك أعمال حاجي شركس في منج ظرخان واستنزع جميع ما كان بأيدي المتغلبين ومحا أثرهم وسار إلى ماماي بالقرم فهرب أمامه ولم يوقف على خبره ثم صح الخبر بمهلكه من بعد ذلك واستوسق الملك بصراي وأعمالها لطغطمش بن بردبيك كما كان لقومه‏.‏ قد ذكرنا فيما مر ظهور هذا السلطان تمر في دولة بني جفطاي وكيف أجاز من بخارى وسمرقند إلى خراسان أعوام أربعة وثمانين وسبعمائة فنزل على هراة وبها ملك من بقايا الغورية فحاصرها وملكها من يده‏.‏ ثم زحف إلى مازندران وبها الشيخ ولي تغلب عليها بعد بني هلاكو فطالت حروبه معه إلى أن غلبه عليها ولحق الشيخ ولي بتوريز في فل من أهل دولته‏.‏ ثم طوى تمر الممالك طيا وزحف إلى أصفهان فآتاه ابن المظفر بها طاعته ثم إلى توريز سنة سبع وثمانين فملكها وخربها وكان قد زحف قبلها إلى دست القفجاق بصراي فملكها من يد طغطمش وأخرجه عنها فأقام بأطراف الأعمال حتى أجاز تمر إلى أصبهان فرجع إلى كرسيه‏.‏ وكان للسلطان تمر قريع في قومه يعرف بقمر الدين فراسله طغطمش صاحب صراي وأغراه بالانتقاض على تمر وأمده بالأموال والعساكر فعاث في تلك البلاد وبلغ خبره إلى تمر منصرفة من فتحه فكر راجعاً وعظمت حروبه مع قمر الدين إلى أن غلبه وحسم علته وصرف وجهه إلى شأنه الأول‏.‏ وقرر الزحف إلى طغطمش وسار طغطمش للقائه ومعه اغلان بلاط من أهل بيته فداخله تمر وجماعة لأمراء معه واستراب بهم طغطمش وقد حان اللقاء وتصافوا للحرب فصدم ناحية من عسكر تمر وصدم من لقي فيها وتبدد عياله وافترق الأمراء الذين داخلوا تمر وساروا إلى الثغور فاستولوا عليها‏.‏ وجاء طغطمش إلى صراي فاسترجعها وهرب أغلان بلاط إلى القرم فملكها وزحف إليه طغطمش في العساكر فحاصرها وخالفه أرض خان إلى صراي فملكها طغطمش وانتزعها من يده‏.‏ ولم تزل عساكره تختلف إلى القرم وتعاهدها بالحصار إلى أن ملكها وظفر باغلان بلاط فقتله‏.‏ وكان السلطان تمر بعد فراغه من حروبه مع طغطمش سار إلى أصفهان فملكها أيضاً واستوعب ملوك بني المظفر وعاملهم بالقتل وانتظم له أعمالهم جميعاً في مملكته‏.‏ ثم زحف إلى بغداد فملكها من يد أحمد بن أويس سنة خمس وتسعين كما مر ذكره‏.‏ ولحق أحمد بالسلطان الظاهر صاحب مصر مستصرخاً به فخرج معه في العساكر وانتهى إلى الفرات وقد سار تمر عن بغداد إلى ماردين فحاصرها وملكها وامتنعت عليه قلعتها فعاج من هنالك إلى حصون الأكراد ثم إلى بلاد الأرمن ثم إلى بلاد الروم‏.‏ وبعث السلطان الظاهر صاحب مصر العساكر مدداً لابن أويس فسار إلى بغداد وبها شرذمة من عسكر تمر فملكها من أيديهم‏.‏ ورجع الملك الظاهر إلى مصر وقد أظل الشتاء ورجع تمر إلى نواحي أعماله فأقام في عمل قراباق ما بين أذربيجان وهمذان والأبواب‏.‏ ثم بلغ الخبر إلى تمر فسار من مكانه ذلك إلى محاربة طغطمش وعميت أنباؤه مدة‏.‏ ثم بلغ الخبر سنة سبع وتسعين إلى السلطان بأن تمر ظفر بطغطمش وقتله واستولى على سائر أعماله‏.‏ والله غالب على أمره

 ملوك غزنة وباميان من بني دوشي خان

كانت أعمال غزنة وباميان هذه قد صارت لدوشي خان وهي من أعمال ما وراء النهر من جانب الجنوب وتتاخم سجستان وبلاد الهند وكانت في مملكة بني خوارزم شاه فملكها التتر لأول خروجهم من أيديهم‏.‏ وملكها جنكز خان لابنه دوشي خان وصارت لابنه أردنو ثم لابنه انبجي بن أردنو‏.‏ وهلك على رأس المائة السابعة وخلف من الولد بيان وكبك ومنغطاي وانقسمت الأعمال بينهم وكان كبيرهم بيان في غزنة وقام بالملك بعد أنبجي ابنه كبك وانتقض عليه أخوه بيان واستمد بطغطاي صاحب صراي فأمده بأخيه بذلك واستنجد كبك بقندو فأمده ولم يغن عنه وانهزم ومات سنة تسع وسبعمائة‏.‏ واستولى بيان على الأعمال وأقام بغزنة وزحف إليه قوشناي ابن أخيه كبك وأستمد بقندو وغلب عمه على غزنة‏.‏ ولحق بيان بطغطاي واستقر قوشناي بغزنة ويقال أن الذي غلب عليها إنما هو أخوه طغطاي ولم نقف بعد على شيء من أخبارهم‏.‏ والله تعالى أعلم بغيبه وأحكم‏.‏

 دولة بني هولاكو دولة بني هلاكو ملوك التتر بالعراقيين وخراسان

ومبادئ أمورهم وتصاريف أحوالهم قد تقدم لنا أن جنكز خان عهد بالتخت وهو كرسي الملك بقراقوم لابنه أوكداي ثم ورثه من بعده كفود بن أوكداي وأن الفتنة وقعت بينه وبين صاحب الشمال من بني جنكز خان وهو ناظو بن دوشي خان صاحب التخت بصراي وسار إليه في جموع المغل والتتر وهلك في طريقه‏.‏ وسلم المغل الذين معه التخت لناظو فامتنع من مباشرته بنفسه وبعث إليه أخاه منكوفان وبعث معه بالعساكر أخويه الآخرين قبلاي وهلاكو ومعهما أخوهما بركة ليجلسه على التخت فأجلسه سنة خمسين‏.‏ وذكرنا سبب إسلام بركة عند مرجعه وإن منكوفان استقل بالتخت وولى بني جفطاي بن جنكز خان على بلاد ما وراء النهر إمضاء لوصية جنكز خان‏.‏ وبعث أخاه هلاكو لتدويخ عراق العجم وقلاع الإسماعيلية ويسمون الملاحدة والاستيلاء على ممالك الخليفة‏.‏

 هلاكو بن طولي

ولما بعث منكوفان أخاه إلى العراق فسار لذلك سنة اثنتين وخمسين وستمائة وفتح الكثير من قلاعهم وضيق بالحصار مخنقهم وولى خلال ذلك في كرسي صراي بالشمال بركة بن ناظو بن دوشي خان فحدثت الفتنة بينه وبين هلاكو ونشأت من الفتنة الحرب وسار بركة ومعه نوغان بن ططر بن مغل بن دوشي خان والتقوا على نهر نول وقد جمد ماؤه لشدة البرد وانخسف من تحته فانهزم هلاكو وهلك عامة عسكره‏.‏ وقد ذكرنا أسباب الفتنة بينهما‏.‏ ثم رجع هلاكو إلى بلاد الإسماعيلية وقصد قلعة الموت وبها صاحبها علاء الدين فبلغه في طريقه وصية من ابن العلقمي وزير المستعصم ببغداد في كتاب ابن الصلايا صاحب إربل يستحثه للمسير إلى بغداد ويسهل عليه أمرها لما كان ابن العلقمي رافضياً هو وأهل محلته بالكرخ‏.‏ وتعصب عليهم أهل السنة وتمسكوا بأن الخليفة والدوادار يظاهرونهم وأوقعوا بأهل الكرخ‏.‏ وغضب لذلك ابن العلقمي ودس إلى ابن الصلايا بإريل وكان صديقاً له بأن يستحث التتر لملك بغداد وأسقط عامة الجند يموه بأنه يصانع التتر بعطائهم وسار هلاكو والتتر إلى بغداد‏.‏ واستنفر بنحو مقدم التتر ببلاد الروم فيمن كان معه من العساكر فامتنع أولاً ثم أجاب وسار إليه‏.‏ ولما أطل هلاكو على بغداد في عساكره برز للقائه أيبك الدوادار في عساكر المسلمين فهزموا عساكر التتر ثم تراجع التتر فهزموهم واعترضهم دون بغداد بثوق انبثقت في ليلتهم تلك من دجلة فحالت دونها فقتلوا أجمعين‏.‏ وهلك أيبك الدوادار وأسر الأمراء الذين معه ورجعوا إلى البلد فحاصروها مدة‏.‏ ثم استأمن ابن العلقمي للمستعصم ولنفسه آملاً بأن هلاكو يستبقيه فخرج إليه في موكب من الأعيان وذلك في محرم سنة ست وخمسين‏.‏ وقبض على المستعصم فشدخ بالمعاول في عدل تجافياً عن سفك دمه بزعمهم‏.‏ ويقال إن الذي أحصى فيها من القتلى ألف ألف وثلاثمائة ألف واستولوا من قصور الخلافة وذخائرها على ما لا يحصره العدد والضبط وألقيت كتب العلم التي كانت في خزائنهم بدجلة معاملة بزعمهم لما فعله المسلمون بكتب الفرس عند فتح المدائن واعتزم هلاكو على إضرام بيوتها ناراً فلم يوافقه أهل مملكته‏.‏ واستبقى ابن العلقمي على الوزارة ولرتبة ساقطة عندهم فلم يكن قصارى أمره إلا الكلام في الدخل والخرج متصرفاً من تحت آخر أقرب إلى هلاكو منه فبقي على ذلك مدة ثم اضطرب وقتله هلاكو‏.‏ ثم بعث هلاكو بعد فتح بغداد بالعساكر إلى ميافارقين وبها الكامل محمد بن غازي بن العادل فحاصروها سنين حتى جهد الحصار أهلها‏.‏ ثم اقتحموها عنوة واستلحموا حاميتها‏.‏ ثم بعث إليه بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ابنه ركن الدين إسماعيل بالطاعة والهدية فتقبله وبعثه إلى القان الأعظم منكوفان بقراقوم وأبطأ على لؤلؤ خبره فبعث بالوالدين الآخرين شمس الدين إسحاق وعلاء الدين بهدية أخرى ورجعوا إليه بخبر ابنه وقرب إيابه فتوجه لؤلؤ بنفسه إلى هلاكو ولقيه بأذربيجان وحضر حصار ميافارقين‏.‏ وجاءه ابنه ركن الدين من عند منكوفان بولاية الموصل وأعمالها‏.‏ ثم هلك سنة سبع وخمسين وولي ابنه ركن الدين إسماعيل ويلقب الصالح‏.‏ وبعث هلاكو عسكراً إلى إربل فحاصرها ستة أشهر وامتنعت فأفرجت عنها العساكر فاغتنم ابن الصلايا الفرصة ونزل عنها لشرف الدين الكردي ولحق بهلاكو فقتله‏.‏ وكان صاحب الشام يومئذ الناصر بن العزيز محمد بن الظاهر غازي بن صلاح الدين‏.‏ فلما بلغه استيلاء هلاكو على بغداد بعث إليه ابنه بالهدايا والمصانعة والعذر عن الوصول بنفسه لمكان الإفرنج من سواحل الشام فقبل هديته وعذره ورجع ابنه بالمواعيد‏.‏ ولم يتم لهلاكو الاستيلاء على الجزيرة وديار بكر وديار ربيعة وانتهى ملكه إلى الفرات وتاخم الشام‏.‏ وعبر الفرات سنة ثمان وخمسين فملك البيرة ووجد بها السعيد أخا الناصر بن العزيز معتقلاً فأطلقه ورده إلى عمله بالضبينة وبانياس‏.‏ ثم سار إلى حلب فحاصرها مدة ثم ملكها ومن عليه وأطلقه ووجد بها المعتقلين من البحرية مماليك الصالح أيوب الذين حبسهم الناصر وهم سنقر الأشقر وتنكز وغيرهما فأطلقهم وكان معهم أمير من أكابر القفجاق لحق به واستخدم له فجعلهم معه وولى على البلاد التي ملكها من الشام‏.‏ ثم جهز العساكر إلى دمشق وارتحل الناصر إلى مصر ورجع عنه الصالح بن الأشرف صاحب حمص إلى هلاكو فولاه دمشق وجعل نوابه بها لنظره وبلغ الناصر إلى هلاكو‏.‏ ثم استوحش الخليفة من قظز سلطان مصر لما كان بينهما من الفتنة فخرج إلى هلاكو فأقبل عليه واستشاره في إنزال الكتائب بالشام فسهل له الأمر في عساكر مصر ورجع إلى رأيه في ذلك وترك نائبه كيبغا من أمراء التتر في خف من الجنود فبعث كيبغا إلى سلطان مصر‏.‏ وأساء رسله بمجلس السلطان في الخطاب بطلب الطاعة فقتلهم وسار إلى الشام فلقي كيبغا بعين جالوت فانهزمت عساكر التتر وقتل كيبغا أميرهم والسعيد صاحب الضبينة أخو الناصر كان حاضراً مع التتر فقبض عليه وقتل صبراً‏.‏ ثم بعث هلاكو العساكر إلى البيرة والسعيد بن لؤلؤ على حلب ومعه طائفة من العساكر فبعث بعضهم لمدافعة التتر فانهزموا وحنق الأمراء على السعيد بسبب ذلك وحبسوه وولوا عليهم حسام الدين الجو كندار‏.‏ وزحف التتر إلى حلب فأجفل عنها واجتمع مع صاحبها المنصور على حمص وزحفوا إلى التتر فهزموهم‏.‏ وسار التتر إلى أفامية فحاصروها وهابوا ما وراءها وارتحلوا إلى بلادهم‏.‏ وبلغ الخبر إلى هلاكو فقتل الناصر صاحب دمشق لاتهامه إياه فيما أشار به من الاستهانة بأهل مصر‏.‏ وكان هلاكو لما فتح الشام سنة ثمان وخمسين بلغه مهلك أخيه القان الأعظم منكوفان في مسيره إلى غزو بلاد الخطا طمع في القانية وبادر لذلك فوجد أخاه قبلاي قد استقل فيها بعد حروب بدت بينه وبين أخيه أزبك تقدم ذكرها في أخبار القان الأعظم فشغل لذلك عن أمر الشام‏.‏ ثم لما يئس من القانية قنع بما حصل عنده من الأقاليم والأعمال ورجع إلى بلاده‏.‏ والأقاليم التي حصلت بيده وعراق العجم كرسيه أصفهان ومن مدنه قزوين وقم وقاشان وشهرزور وسجستان وطبرستان وطلان وبلاد الإسماعيلية‏.‏ وعراق العرب كرسيه بغداد ومن مدنه الدينور والكوفة والبصرة‏.‏ أدزبيجان وكرسيه توريز ومن مدنه حران وسلماس وقفجاق‏.‏ خوزستان كرسيها ششتر ومن مدنها الأهواز وغيرها‏.‏ فارس كرسيها شيراز ومن مدنها كش ونعمان ومحمل رزون والبحرين‏.‏ ديار بكر كرسيها الموصل ومن مدنها ميافارقين ونصيبين وسنجار وأسعرد ودبيس وحران والرها وجزيرة ابن عمر‏.‏ بلاد الروم كرسيها قونية ومن مدنها ملطية وأقصرا وأورنكار وسيواس وإنطاكية والعلايا‏.‏ ثم أجلاه أحمد الحاكم خليفة مصر فزحف إلى بغداد وهذا الحاكم هو عم المستعصم‏.‏ لحق بمصر بعد الواقعة ومعه الصالح بن لؤلؤ بعد أن أزاله التتر من الموصل فنصب الظاهر بيبرس أحمد هذا في الخلافة سنة تسع وخمسين وبعثه لاسترجاع بغداد ومعه الصالح بن لؤلؤ على الموصل‏.‏ فلما أجازوا الفرات وقاربوا بغداد كبسهم التتر ما بين هيث وغانة فكبسوا الخليفة وفر ابن لؤلؤ وأخوه إلى الموصل فنازلهم التتر سبعة أشهر ثم اقتحموها عليهم عنوة وقتلوا الصالح‏.‏ وخشي الظاهر بيبرس غائلة هلاكو‏.‏ ثم إن بركة صاحب الشمال قد بعث إلى الظاهر سنة ستمائة وسبعين بإسلامه فجعلها الظاهر وسيلة للوصلة معه والإنجاد وأغراه بهلاكو لما بينهما من الفتنة فسار بركة لحربه وأخذ بحجزته عن الشام‏.‏ ثم بعث هلاكو عساك التتر لحصار البيرة ومعه درباي من أكابر أمراء المغل وأردفه بابنه أبغا‏.‏ وبعث الظاهر عساكره لانجاد أهلها فلما أطلوا على عسكر درباي وعاينهم أجفل وترك المخيم والآلة ولحق بأبغا منهزماً فاعتقله وسخطه‏.‏ ثم هلك هلاكو سنة اثنتين وستين لعشر سنين من ولايته العراق والله أعلم‏.‏

 أبغا بن هلاكو

ولما هلك هلاكو ولي مكانه ابنه أبغا وسار لأول ولايته لحرب بركة صاحب الشمال فسرح إليه بركة العساكر مع قريبه نوغاي بن ططر بن مغل بن دوشي خان ومع سنتف بن منكوفان بن جفطاي بن جنكزخان وخام سنتف عن اللقاء ورجع منهزماً وأقام نوغاي فهزم أبغا وأثخن في عساكره وعظمت منزلته بذلك عند بركة‏.‏ ثم بعث سنة إحدى وسبعين عساكره مع درباي لحصار البيرة وعبر الظاهر إليهم الفرات وهزمهم وقتل أميرين مع درباي ولحق درباي بأبغا منهزماً فسخطه وأدال منه بابطاي‏.‏ وفي سنة اثنتين وسبعين زحف أبغا إلى تكدار بن موجي بن جفطاي بن جنكز خان وكان صاحبه فاستنجد بابن عمه براق بن سنتف بن منكوفان بن جفطاي فأمده بنفسه وعساكره‏.‏ واستنفر أبغا عساكر الروم وأميرهم طمقان والبرواناة والتقى الجمعان ببلاد الكرج فانهزم تكدار ولجأ إلى جبل هنالك حتى استأمن أبغا فأمنه وعهد أن لا يركب فرساً فارهاً ولا يمس قوساً‏.‏ ثم نمي إلى أبغا أن القاهر صاحب مصر سار إلى بلاد الروم فبعث العساكر إليها مع قائدين من قواد المغل وهما تدوران وتغوا فسارا وملك الظاهر قيسارية من تخوم بلادهم‏.‏ وبلغ الخبر إلى أبغا فجاء بنفسه إلى موضع الهزيمة وعاين مصارع قومه ولم يسمع ذكراً لأحد من عسكر البرواناة أنه صرع فاتهمه وبعث عنه بعد مرجعه فقتله‏.‏ ثم سار أبغا سنة ثمانين وعبر الفرات ونازل الرحبة وبعث إلى صاحب ماردين فنزل معه هناك‏.‏ وكان منكوتمر ابن أخي بركة ملك صراي فسار بعساكره من المغل وحشود الكرج والأرمن والروم ومر بقيسارية وابلسين وأجاز الدربند إلى الرحبة فنازلها‏.‏ وبعث أبغا إليه بالعساكر مع أخيه منكوتمر بن هلاكو وأقام هو على الرحبة‏.‏ وزحف الظاهر من مصر في عساكر المسلمين فلقيهم التتر على حمص‏.‏ وانهزم التتر هزيمة شنعاء هلك فيها عامة عساكرهم وأجفل أبغا من حصار الرحبة وهلك أخوه منكوتمر بن هلاكو مرجعه من تلك الواقعة يقال مسموماً وأنه مر ببعض أمرائه بجزيرة تسمى مومواغا كان يضطغن له بعض الفعلات فسقاه سماً عند مروره به وهرب إلى مصر فلم يدركوه وأنهم قتلوا أبناءه ونساءه‏.‏ ثم هلك أبغا سنة إحدى وثمانين بعدها ويقال مسموماً أيضاً على يد وزيره الصاحب شمس الدين الجوني مشير دولته وكبيرها حمله الخوف على ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏